
دقت ساعتي دقتها اليومية لتخبرني بأنه قد جاءت الساعة الخامسة و هو وقت خروجي من الشركة و بداية رحلة المعاناة التي أجوبها يوميا في نفس الموعد بداية من وقوفي في موقف "الأوتوبيس" و انتظاري أتوبيسي " الحبيب" و حتى وصولي إلى منزلي خلال رحلة طويلة قد تدم ساعتين علي اقل تقدير أقوم خلالهما بالقيام بأنشطة حياتي الطبيعية – و التي من بينها النوم أحيانا - فقد لا أجد وقت لممارستها إذا تركتها إلى حين عودتي إلى المنزل .. ومررت بـ كشك المحطة لاشترى بعض الحلوى فقد تطول رحلتي اليوم أكثر من كل يوم فاليوم هو الخميس!!
اشتريت البسكويت و الشيكولاتة و الكثير من الحلوى التي لا اعرف حتى الآن ما هي و فوجئت بوصول "اتوبيسى" الذي افرح بوصوله واشعر تجاهه شعور الطفل الذي يرى وجه أمه بعد يوم دراسي طويل في أولى أيامه المدرسية.
صعدت درج الأتوبيس و اخترت المقعد الذي يعجبني بجوار النافذة و بدأت الرحلة بجلوس السائق أمام عجلة القيادة وبدأت معها في فتح اغلفة الحلوى و بسم الله..
بعد عدة دقائق لا تتعدى الخمس بدأ الأتوبيس في الامتلاء حتى أصبح لا يوجد مقعد فارغا و جلست بجواري فتاة لا تتعدى السابعة عشر .. وجدتها تنظر إلى بطرف عينها اليسرى فتوجهت إليها و عزمت عليها ببعض الحلوى فوجدتها تبتسم ابتسامة في منتهى الرقة و امتدت يدها نحو البسكويت و قالت " أنا بصراحة مش بحب دا لكن بحب البسكويت دا " و أخذت البسكويت ضاحكة و أنا أيضا اضحك من فعلتها ,تشوب ضحكتي شعور دهشة , مرت عدة لحظات و الفتاة تسألني :" هو الأتوبيس دا بيمر علي رمسيس" أجبتها و أنا اشعر و كأننا نعرف بعض من قبل و ما هى الا لحظات حتى وجدتنا نتجاذب أطراف حديث مشترك لست ادرى كيف و متى بدأ , وفي احد المحطات صعدت درجات الأتوبيس سيدة تحمل رضيعا فوجدت الفتاة التي تنتظر الوصول إلى محطتها تتنحى عن مقعدها لتجلس عليه السيدة , جلست السيدة و بدأت في البحث بحقيبتها عن ثمن تذكرة الأتوبيس و أثناء انشغالها بالبحث تضع رضيعها علي قدمي و أنا اخذ منها الطفل تلقائيا و كأنه "ابن اختى" و أخذت ألاعب طفلي..
دقائق و وجدت السيدة تنظر إلى مبتسمة و تأخذ طفلها بمودة و تقول "معلش تعبتك معايا" و وقفت و أشارت الي الفتاة لتأخذ مقعدها ثانية , إلا أن الفتاة رفضت الجلوس و مسكت بيد سيدة مسنة لتجلس هي على المقعد و في نفس الوقت كان رجلا يبدو انه موظفا بالحكومة – و بالطبع هم مميزون بشكل واضح – دخل حاملا كيسا مملوءا و ثقيلا فوجدت شابا يترك مقعده أيضا ليستريح عليه موظف الحكومة بكيسه الممتلئ ..
مرت الساعة و وصلنا إلى المحطة التي تتجه إليها الفتاة , فنظرت إليها لأذكرها بوصولها فقد تكون غير ملاحظة ولكنها كانت تنظر الى مبتسمة لا تريد ان تنزل في محطتها قبل ان تشير الي بيدها إشارة ترسل الى سلامها ..
دقائق و وجدت ان معظم الركاب قد وصلو محطاتهم و ان محطتي قد اقتربت وهى آخر محطة و بدأ الأتوبيس يبدو شبه فارغا , نظرت بجواري فوجدت السيدة المسنة و قد غلبها النعاس , فلامست يدها برفق و سألتها بصوت عالي : " هو حضرتك نازلة فين يا طنط " انتبهت فجأة قائلة: " أنا نازلة هنا يا بنتى ربنا يكرمك و يوقف لك ولاد الحلال" , أخذت انظر حولى فوجدت رجلا يأتى من خلفي ليجلس بمقعد امامى استعدادا للنزول ,ينظر الى و يقول " ممكن يا بنتى تصحى البنت اللى قاعدة هناك دى أحسن شكلها نامت و فاتتها المحطة" استدرت بوجهى فوجدتها وقد انتهبت علي صوته و ابتسمت له وقالت : " شكرا يا حاج أنا نازله اهو"
وصلت الى محطتى بسلامة الله بعد ان مررت برحلة مدتها لا تقل عن ساعة و نصف ساعة , نزلت من الأتوبيس و انا أتساءل اي ارض هذه التى تحمل أناس تفيض قلوبهم بهذه المودة ؟ أى تراب هذا الذى يسير عليه بشر بلا تكليف و بلا غربة ؟ اي شارع هذا الذى يهتم فيه الشخص بمن يجاور مقعده في حافلة عامة ؟ أين توجد مثل دعوة السيدة المسنة ؟ و أين هم ولاد الحلال؟!!!
أين نجد مثل اهلك يا مصر
ايوا مصريين لآخر كل نقطة فـ دمنا..